رغم أن قرار مجلس إدارة بريد الجزائر بإلغاء الفرنسية من جميع الوثائق والمحررات الرسمية الصادرة عن المؤسسة، وتعويضها بوثائق محررة باللغة الوطنية-العربية-،
وتعهده بوضع الآليات اللازمة لتطبيق القرار على أرض الواقع، وإعلام وزيرة القطاع بتفاصيل تنفيذه.
هو قرار إنفرادي يخص مؤسسة بريد الجزائر دون باقي المؤسسات الرسمية الجزائرية الأخرى،و معلومات غير رسمية تفيد بأن الوزير الأول عبد المجيد تبون سيعاقب كل وزير او مسؤول جزائري يخاطب الجزائريين باللغة الاجنبية-الفرنسية بالتحديد- , ومن لا يتقن اللغة العربية عليه ان يتعلمها قبل ان يكون وزيرًا او مسؤولاً عن الجزائريين مثلما حدث مع وزيرة التربية الوطنية نورية بن غبريت التي تمكنت من تعلم اللغة العربية في ظرف 6 أشهر في إجتهاد واضح منها لمخاطبة الجزائريين بلغتهم الأم.
إلا أنه لا توجد أي تعليمة صادرة عن الوزير الأول تجبر المسؤولين الجزائريين على التحدث باللغة العربية و أن كل ما حدث يمكن إعتباره من قبيل الإجتهادات الشخصية و لا يعدو الأمر أن يكون موقفًا رسميًا،و حتى لو أنه و منذ تعيينه وزيرًا أول في ماي الماضي لم يتحدث تبون بغير اللغة العربية سواء في تصريحاته الصحفية أو في إحتكاكه المباشر مع المواطنين
و هذا السلوك يُحسب للرجل،لكن لا يمكن القول أن تبون ماض في محاربته للغة الفرنسية و تعزيز مكانة اللغة العربية. قد نثمن قرار تعريب مؤسسة بريد الجزائر خاصة و أنه جاء بالتزامن مع الإحتفالات بالذكرى الــ55 لإستعادة السيادة الوطنية لأن وزارة البريد وتكنولوجيات الإعلام والاتصال بهذا القرار تكون قد قطعت شوطًا مهمًا وحساسًا في تعريب المؤسسة الأكثر أهمية في المنظومة المالية بالجزائر،
لكن المعوقات والعراقيل التي تقف حجر عثرة في تعميم التعريب في الجزائر كثيرة و متعددة،و لو لم يكن هناك قرارًا رئاسيًا لتنفيذ ذلك وإرادة سياسية قوية تعمل على تجسيده على أرض الميدان،
أي نعم نبارك مثل هكذا مواقف وطنية لكنها تبقى مجرد إجتهادات شخصية قد تنتهي بذهاب أصحابها.
الكاتب الجزائري الكبير “كاتب ياسين” قال أن “اللغة الفرنسية هي غنيمة حرب إغتنمها الجزائريون” كلامه جميل و صحيح،لكن أن تغتنم شيئ من حرب أو معركة أو غزوة هو أن تزيده لما لديك من ممتلكات فيكون إضافة نوعية و إلا ما سمي بغنيمة،فكيف للشعب الجزائري الذي يتقن البعض منه-و ليس الجميع-اللغة الفرنسية أن يعتبر “اللغة الفرنسية”غنيمة حرب و هو فقد إتقانه للغته الأصلية و الأم اللغة العربية؟
والجزائر التي نالت إستقلالها عن فرنسا منذ 55 سنة لا تزال أكبر بلد فرنكفوني في العالم بعد فرنسا،و الكثير من الجزائريون يتقنون الفرنسية أفضل حتى من الفرنسيين أنفسهم و حتى مسؤولين تجدهم يتلعثمون في التحدث باللغة العربية و يُحدثونها بها مجازر لغوية شنيعة لو سمع بها سيبويه أو إبن منظور لأنتحرا حزنًا و كمدًا عمّا لحق بلغة الضاد،
و الإدارة الجزائرية مفرنسة بنسبة تزيد عن 80 بالمائة،أي أن الإستقلال حرر الأرض و الإنسان و ليس اللسان؟
. والمفارقة العجيبة و الغريبة أنه حتى الرئيس الجديد للإتحاد الجزائري لكرة القدم خير الدين زطشي و في أول ندوة صحفية له بعد مرور 100 يوم على تعيينه-و ليس إنتخابه-في منصبه و على مدار أزيد من 3 ساعات كاملة و هو يتحدث و يرد على أسئلة الصحفيين بلغة “فولتير” و “فافا” يوم السيت الماضي بالمركز التقني بسيدي موسى رغم أنه ينحدر من ولاية داخلية هي برج بوعريريج و هو من جيل ما بعد الإستقلال،
يعني لم تكن اللغة الفرنسية “غنيمة حرب بالنسبة له”،و إذا كنا نعذر مسؤولينا لتحدثهم باللغة الفرنسية لأن معظمهم “متفرنسين” و ذوو تكوين أكاديمي فرنسي بحكم الإستعمار الفرنسي الذي كان يفرض عليهم تعليمًا و تكوينًا باللغة الفرنسية و الذين ما شاء الله كلهم “شباب”-عفوًا-“شياب” و كبار في السن..فلا عذر للجزائريين الذين ولدوا ما بعد الإستقلال،
و أن تتقن لغة ما-لا يهم إن كانت الفرنسية أو غيرها-أمر مطلوب و مرغوب لكن أن نُطلّق اللغة العربية و نتشدق بالتحدث باللغة الفرنسية بتباهي و تفاخر فذلك مالا نتقبله
. و رغم علمنا-علم اليقين-بأن إلغاء تجميد قانون التعريب لن يكون غدًا لكن إعلان مؤسسة سيادية مثل مؤسسة بريد الجزائر إلغاء الفرنسية من جميع الوثائق والمحررات الرسمية الصادرة عن المؤسسة، وتعويضها بوثائق محررة باللغة العربية هو خطوة في الطريق الصحيح لا بد أن تتبعها خطوات أخرى من طرف كافة الوزارات و المؤسسات الرسمية لتحقيق “إستقلال الجزائر اللغوي”،لأنه لا يعقل أن يتم تحرير الأرض و الإنسان و يبقى اللسان مستعمرًا؟.
لؤي موسى