ها هي رقان تلك المدينة النائمة في أقصى الجنوب الغربي للجزائر تسترجع بمرارة ذكرياتها الأليمة بعد مرور أزيد من نصف قرن عن ارتكاب المستدمر الفرنسي لأبشع جريمة في تاريخ البشرية جراء تفجيرها للقنابل النووية في عمق الصحراء الجزائرية و ما خلفته من ويلات إشعاعية لازال سكان المنطق يتجرعون آلامها إلى اليوم.
رقان الموقع و حموديا المكان الأنسب…
رقان آخر محطة في الطريق الوطني رقم 6 على بعد 1700 كم جنوب العاصمة الجزائر دائرة من دوائر ولايات أدرار و بالضبط في منطقة حموديا التي ادعت فرنسا أنها خالية من السكان تماماً و هي التي تبعد عن مقر الدائرة بحوالي 60 كم فقط و كان يبلغ عدد السكان آنذاك بين 16 و 20 ألف سكان دون الأخذ في عين الاعتبار البدو الرحل الذين كانوا يعبرون المنطقة بكثرة حينذاك خاصة إذا علمنا أن حموديا هي مكان توافد القوافل التجارية القادمة من توات في ذلك الوقت .
فرنسا تستعرض قوتها النووية على حساب الجزائريين
ارتكبت فرنسا الاستدمارية بهاته المنطقة تحديدا حماقتها النووية عبر أربع تجارب أولاها في 13 فبراير1960 تحت اسم ”اليربوع الأزرق” تيمناً باللون الأول للعلم الفرنسي و اللون الغالب على علم الكيان الصهيوني، كيف لا و العملية تمت بمشاركة خبراء من إسرائيل بطاقة تعادل ثلاثة أضعاف قنبلة هيروشيما اليابان عام 1945. لتتبع بتفجير ”اليربوع الأبيض” في الفاتح ابريل 1960، ثم ”اليربوع الأحمر” في نفس السنة، فـ”اليربوع الأخضر” في 25 ابريل 1965 ، و تعتبر هذه العملية بمثابة استعراض للعضلات و دليل أرادته فرنسا لإثبات قوتها العسكرية حيث يقول رولاند ديبورد و هو رئيس اللجنة المستقلة للأشعة النووية أن شارل ديغول أمر بتفجير القنبلة الذرية رغم معارضة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي وبريطانيا. وكان يصرح لمقربيه، عقب تفجير هيروشيما: ”من لا يملك القنبلة الذرية، لا وجود له”، معتبرا أن ذلك كان جزءا من الحرب الباردة التي كانت سارية آنذاك، حيث كان الرئيس الفرنسي يرغب في تحويل بلده إلى قوة نووية، وقد تم ذلك على حساب أرواح الجزائريين، مضيفا أن ”الضحايا الجزائريين لا يحق لهم الاطلاع على الأرشيف الفرنسي الذي من شأنه أن يؤكد تواجدهم في أماكن الانفجار النووي” .
رقان تبكي و تستغيث
و منذ ذلك الوقت ورقان تعيش على وطأ الويلات الإشعاعية الناجمة عن هذه التفجيرات التي خلفت دما راً نفسياً و حسياً و اجتماعياً وسط ساكنة المنطقة و لا أدل على ذلك من تواجد المنطقة على رأس المناطق الجزائرية التي يُسجل فيها أكبر عدد من أمراض العيون ، و بعض الأمراض التي استعصى على الطب الحديث تشخيص ماهيتها فضلاً عن حالت الإصابة بالسرطان التي تسجل فيه المنطقة تزايداً مستمراً من سنة لأخرى حيث تم تسجيل السنة المنقضية فقط 20حالة جديدة للإصابة بهذا المرض الخبيث، كما تشير بعض الإحصائيات إلى إصابة ما يقارب 4000 مريض بهذاء الداء عبر ولايات أدرار تمنراست و إليزي.
حالات تشوهية وأمراض مستعصية تتزايد من سنة لأخرى
الحديث عن الحالات المرضية الغريبة التي مست ساكنة المنطقة يستوقفنا عند حالة عبدالرزاق. ب الذي أعجزه انتفاخ في إحدى قدميه حتى عن الالتحاق بأقرانه في المدرسة، ولازال حتى اللحظة يطالب بأدنى حقوقه المتمثلة في دراجة نارية تساعده في تنقلاته وسط القصر الذي يسكنه، وأمثال عبدالرزاق كثر بالمنطقة ممن يعانون من إعاقات جسدية تبلغ نسبة 100%في أغلب حالات ولا تزال تتزايد من سنة لأخرى.
الجرائم النووية تعدت البشر لتضرب البنية التحتية للمنطقة
وبدورها لم تسلم البنية التحتية للمنطقة من خطر هذه الإشعاعات النووية حيث أن المياه الجوفية بالمنطقة معروفة بملوحتها خاصة بمدينة رقان و ضواحيها ناهيك عن قلة خصوبة التربة و تقهقر الإنتاج الفلاحي الذي كان في وقت من الأوقات وفير و متنوع لكن مع مرور الزمن صار كل ذلك حلم من أحلام اليقظة بعد أن قهرت الإشعاعات إرادة وتحدي يامنة المنطقة الذين لازالو لم يستسلموا لذلك.
المجتمع المدني يطالب باسترجاع خرائط الردم النووي وتعويـض المتضررين
لازال ساكنة الصحراء الجزائرية يواصلون مطالبهم للهيئات الحاكمة قصد الضغط على السلطات الفرنسية لمدها بالخرائط الجغرافية الخاصة بتحديد مواقع ردم النفايات النووية بالصحراء الجزائرية ولاسيما بمنطقتي رقان وتمنراست التي كانت مسرحا للتفجيرات النووية إبان الحقبة الاستعمارية، كما يجدد الساكنة نداءاتهم للسلطات العليا في البلاد لتعويض المتـضررين من مخلفات الإشعاعات النووية التي لازالت مستمرة ومتزايدة من سنة لأخرى وسط اتساع الرقعة الجغرافية للبنية التحتية المتضررة منها.
أهالي رقان و ما جاورها متشبثون بموطنهم رغم الآلام و المعانة المتكررة
و بالرغم من كل هذه الآلام و المعاناة التي تعرفها المنطقة إلا أن أهلها متشبثون بها لأنها قطعة من دمهم، وإن كانت الولاية قد استفادت مؤخرا من مركز طبي متخصص في مكافحة السرطان والدي تم تجهيزه ووضعه حيز الخدمة لفائدة المرضى إ لا أنه بمجرّد مرور هذه الذكرى توضع معاناة هذه الفئة من المرضى فى خانة النسيان، فهم يجددون نداءاتهم المتكررة للسلطات العليا للبلاد قصد تنظيف المنطقة النووية باستخدام التقنيات الحديثة في التنظيف و تزويدهم بوسائل حديثة للكشف المبكر عن السرطان لطمأنتهم في الحياة لأنهم هم من أرادت لهم فرنسا الموت بزرعها لقنابل الموت و الدمار بمنطقتهم و استبدلوها ببذور الأمل و الغد المشرق.
م.حني.