أراد البعض أن يجعل ساحة البريد المركزي بالجزائر العاصمة أيقونة “الحراك الشعبي” تيمنًا و تشبهًا بميدان التحرير الذي كان رمزًا للثورة المصرية الي أطاحت بنظام الرئيس المعزول محمد حسني مبارك،و بالرغم من أن سيناريو ميدان التحرير المصري تكرر في الجزائر و نجح في الإطاحة بالرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة إلا أن هناك حقيقة تاريخية صادمة ستجعل كل من يتفائل خيرًا بساحة البريد المركزي خلال “الحراك” الجاري يتراجع عن ذلك.فما قصة البريد المركزي؟.
في عام 1955 احتضنت ساحة البريد المركزي بالجزائر العاصمة تجمعًا للاقدام السوداء و الحركى ضد الثورة التحريرية و دعمًا لفرنسا في حربها على الجزائريين، فقامت جبهة التحرير الوطني بإطلاق النار عليهم و قتلت العديد منهم.لهذا يتخذه بعض “الحراكيست” اليوم مركزًا لتنفيذ أجندة معينة ليس لها أية علاقة بالتغيير المأمول الذي يريده معظم الجزائريين.
لم يختر الجزائريون ساحة البريد المركزي بسبب تواجدها في ملتقى شوارع مدينة الجزائر العاصمة وكأنّها تتوسّطها، أو لأنها تقع على مقربة من مؤسسات رسمية أهمّها البرلمان بغرفتيه وقصر الحكومة وعدة وزارات منها الدّاخلية مثلما يتم الترويج لذلك،بل تم فرض ذلك عليهم فرضًا و توجيهًا و ليس بالأمر العفوي أو التلقائي.
كما أن الجزائريون لم يتوافقوا على التوجّه إلى ساحة البريد المركزي والبقاء هناك بداية من بعد صلاة الجمعة إلى ما قبل الغروب، وهم يردّدون شعاراتهم المطالبة بالتغيير الشامل للنظام،بل أن كل ذلك أمر دُبر بليل و تم التخطيط له بدقة و أحكام من طرف جهات معينة لا تريد الخير للبلاد.
ربما الكثير من الجزائريين لا يعلمون-جهلاً أو لامبالاة-بأن مقر البريد المركزي هو مبنى فرنسيًا يعود تاريخ تشييده إلى حقبة الإستعمار الفرنسي،ففي سنة 1910 شرعت فرنسا في بناء قصر البريد المركزي، وأشرف على هندسته المعماريان الفرنسيان “فوانو” و”توندوار”، اللذان حرصا على أن يحافظ القصر على الهوية الجزائرية العثمانية سواء عبر الأقواس داخل وخارج البناء فضلاً عن الزخارف الكثيرة والرائعة داخله.
وتعلو البناء الشاهق صومعتان صغيرتان ما يجعله أشبه بالمسجد، وقبل بناءه كان المكان يحتضن كنيسة أنجليكانية.اكتمل بناء قصر البريد المركزي سنة 1913 وأطلقت عليه السلطات الاستعمارية يومذاك تسمية “البريد الجديد”، وكان يقع في ما يعرف بـ”الحي الأوروبي” لكونه مجاورًا للشوارع التي يقطنها الفرنسيون الذين استوطنوا الجزائر بعد احتلالها في 1830.و في سنة 1985 غيّرت السلطات الجزائرية تسمية البناء من “البريد الجديد” إلى “البريد المركزي”، وظلّ يقدّم خدمات بريدية للجزائريين إلى سنة 2015.
في هذه السنة أعلنت وزارة البريد وتكنولوجيات الإعلام والاتصال تحويل مقر البريد المركزي إلى متحف كبير، لكونه أحد أبرز معالمها وقصورها التاريخية، ولاتزال الأشغال جارية به إلى الآن.
و حتى يعلم الجميع،فإن أول من إتخذ ساحة البريد المركزي قبلة لإحتجاجاته و مظاهاراته بسبب موقعه الإستراتيجي و مغزاه التاريخي،هي حركة “بركات” الرافضة لعهدة رابعة لبوتفليقة في 2014،و الأكيد أنتم تعلمون من هي هذه الحركة و من هم أعضاءها و الذين يمثلونها.
و لهذا عندما أعلنت مصالح ولاية الجزائر العاصمة غلق سلالم البريد المركزي للترميم،قام “أصحاب الأجندات الخفية و غير الريئة” بالإنتفاض و الترويج بأن “الأمر موجه لضرب الحراك الشعبي”،فيما الحقيقة غير ذلك.
عمّـــار قـــردود
الجزائر1
الجزائر1
الجزائر1
الجزائر1
الجزائر1